حكايات جدو! من أوراق "مخبلة بحب العراق"  

السبت، 30 أغسطس 2008

منذ لحظة خروجي من المستشفى بدأت عيني بالبحث عن صيدلية لأتأكد من وجود الدواء في الصيدليات العامة وإلا ستضطر المستشفى لصرفه لي ، تبحث عيني بلهفة عن صيدلية ، هذه واحدة ، أتوقف في أول موقف متوفر بالقرب منها ، دفعت الباب ودخلت ، أعطاني علبة الدواء فتلقفتها كأني أتلقف الروح أو الحياة .. نقدته الثمن وخرجت أكاد أقفز ..
ركبت في السيارة ، ربطت الحزام ، شغلت المحرك ثم .. لاحظت أني متوقفة أمام مكتبة ، وهناك إعلان صغير يقول: "كتب ومخطوطات قديمة للبيع".
تفتحت قريحتي ، خصوصاً وأني أشعر بجوع شديد للقراءة ، فلم أقرأ منذ أن تعينت في عملي ، فتحت الحزام ، وأطفأت السيارة ، اتجهت إلى المكتبة وأنا أتخيل ماهية الكتب التي سأجدها ، وأفكر بما أحمله معي من مال وهل سيكفي لهذه الغنيمة ؟؟
دفعت الباب ودخلت ، ابتعد البائع ليفسح لي الطريق ، فقلت لا أسأله من البداية ، فلأتجول قليلاً في المحل ، كان المحل صغيراً وكل شيء مغبر .. كل شيء هنا يصلح أن يكون مخطوطة !
ثم وقعت عيني عليها .. (مكتبة الطفل ) و ( دائرة ثقافة الأطفال ) وعلامة العصفور التي تعرفها عيني وبالخلف مكتوب (الجمهورية العراقية) .. خفق قلبي بشدة .. فهذا الغلاف الصلب ، وهذه الألوان وهذه الخطوط فتحت باباً صدئاً بين تلافيف مخي .. باباً كبيراً لعالم قديم موغل في القدم .. يحمل ذكريات لصور وأشكال وألوان ومشاعر وذكريات مرتبطة بعضها ببعض ..

عندما كان عمري سنتان أرسلت لي خالتي مجموعة قصص من العراق ، أحدها كان (سفينة نوح) وهو شعر لأحمد شوقي لكن الكتاب كله رسومات طفولية أراها الآن وأنا أحدثكم عنها ..
كانت هناك قصة الذئب الذي يريد أكل الدجاج ، والدب الذي سقط من السفينة لكن الماء كان ضحلاً ، وهناك الكثير من القصص ، على الغلاف الأمامي رسمة السفينة ومن كل حيوان ذكر وأنثى ، وعلى الغلاف الخلفي صورة أحمد شوقي ( بلون بنفسجي لذلك فأحمد شوقي طوال عمره بنفسي اللون في ذاكرتي ) ، وأربع صور مصغرة لقصص أصدرتها الوزارة من نفس السلسلة ( أمينة وكلبها ) وصورة إعصار ، وصور أخرى ..
تذكرت نفسي أمسك بالقصة ، أطالع صورها ، أقرأ الكلمات لكني لا أفهم الشعر – طبعاً فهمته عندما كبرت قليلاً – .. أتذكر الصور وألوانها الجميلة ، ولون القصة البرتقالي ..

أعود الآن إلى المكتبة ، كأني أتحسس قطعة من ماضيّ وتاريخي .. أمسكت السلسلة ، صافحت عيناي كلمة "العراقية" فارتجف قلبي وشعرت بالارتباك كأني سألاقي نصفي الآخر الآن !

لم أعرف أين أوقف عيني التي أخذت تحلق بين العناوين والأشكال والصور .. وشطت عيني فرأيت مجموعة أخرى من الذاكرة .. قصص المكتبة الخضراء .. أخذت أقلب بنهم .. ثم انتبهت لنفسي .. لم أكن منتبهة كثيراً لعنوانين القصص ، كانت يدي تتنقل بينها بينما عقلي هناك .. في العراق ..
أتذكر قصص المكتبة الخضراء التي قرأتها في بيت جدي ، وأحد أولاد خالاتي قد رسم الرجل الأخضر على الغلاف والغلاف الآخر رسم الرجل العنكبوت ، ورسمت أنا رسمة خطيرة تشبه خاتون في البنر ، ههههههههههههههه كل واحد يترك توقيعه !
أتذكر جلوسي هناك وقت الظهيرة ، رائحة هواء المبردة (بعطر التبن) ، صوت جدتي من المطبخ تحكي ذكريات ما ، ورائحة التمن ( الرز) العراقي ، والمرق ، جدتي من جديد تنادي ( ياول يا سعاد ركبتي التمن ؟) ..
البيت .. الحديقة .. المرجوحة .. الناس .. الوجوه .. الأصوات ..
تسجيلات للأشهر البسيطة والمعدودة التي قضيتها في العراق ..
مررت عليها على السريع ، وسحبت نفسي من تلك الذكريات سحباً ، لأعود للواقع حيث أن عندي سياقة إلى الشارقة ، أعدت مطالعة العناوين ، كان بودي أن أشتريها كلها ، لكني استغليتها ، حملت كمية منها معي ، وحاولت إقناع البائع بعمل تخفيض – طبعاً لا فائدة – فهو شاهد أني مذهولة بقصص الأطفال هذه وأني سأشتريها على أية حال !
سألته قبل أن أخرج : من وين جبتها ؟ قال: من معرض في سوريا .
سبحان الله اللي طلعها من سوريا حتى يشتريها هذا البائع في الإمارات لأجدها أنا هنا ولتعيد إلي جزء من حياة الماضي ..
خرجت محملة بالمخطوطات والكتب القديمة كما ترون! بل وقضيت ليلتي تلك مع حكايات جدو!
طيلة الطريق كنت أفكر بأن أفضل مكان أموت فيه هو صحراء العراق .. تحديداً على الطريق الواصل بين بغداد ونقطة حدود العراق – الأردن .. ولذلك قصة ..
أخبرت أمي خالتي العزيزة أني سعيدة جداً بالقصص ، فقامت خالتي بوقتها بإرسال مجموعة كبيرة من القصص والتي كانت طبعاً رخيصة في ذاك الوقت بالنسبة للآن وللثمن الذي أخذه البائع مني .. وتم إرسال هذه المجموعة لي لكنها لم تصل أبداً ..
حيث تم إرسالها مع امرأة كبيرة في السن وهي قريبة لنا ، كانت متجهة للأردن لتركب الطائرة من هناك ، وفي الطريق – لا أعرف لماذا – فتحت المرأة الحقيبة المرسلة لنا ، وتفاجأت من وجود كتب تثقل برأيها السيارة ، والكتب متوفرة في الإمارات ، فألقتها على قارعة الطريق ..
وكأن القصص تنتظرني ، كثيراً ما فكرت فيها ، وشعرت بالقهر الشديد من تصرف المرأة ..
ولا أزال أفكر أنه إن كان لابد أن أموت في صحراء فلتكن تلك الصحراء على الأقل سأقضي بين قصصي التي تنتظرني منذ 22 عاماً !
ترى هل لا تزال هناك ؟؟ أتخيل نفسي هيكلاً عظمياً متحللاً يحتضن مجموعة قصص أطفال مكتوب عليها الجمهورية العراقية !!




AddThis Social Bookmark Button

Email this post


ما يبنيه الدعاة تهدمه المسلسلات التركية..  

الأربعاء، 6 أغسطس 2008

وصلني اليوم بريدٌ إلكتروني يحمل نفس عنوان مقالي هذا، صحيحٌ أنَّ العنوان لم يفلح في إقناعي و لكنه يبدو مثيراً.. ماذا يوحي لكم؟
وجدت محتوى الرسالة إحصاءات عن..
عدد الأسامي التي سميت على إسم لميس و يحيى و مهند و نور في دولة مثل السعودية..
عدد السياح العرب الذين ذهبوا إلى تركيا و الذي أدهش السفارة التركية شخصياً

و المشكلة حسب رأي كاتب الرسالة هي إنَّ الناس بدأت تسمي أسماء أبناءها على أسامي الفساق (و يا سبحان الله ما يبنيه الدعاة في سنين تهدمه القنوات الفضائية في ساعات)

أنا للأمانة لم تتسنى لي الفرصة لمشاهدة أي من تلك المسلسلات لذلك أعذروني إن كان مقالي تنقصه المعرفة التامة، و لست أدري تماماً ما هو سبب الإقبال الشديد على هذه المسلسلات التركية، هل لأسباب تاريخية؟ اجتماعية؟ هل هي موضة سيزول بريقها بعد فترة؟ الموضوع يحتاج للبحث..
قبل أن أدخل في مسائل البناء و الهدم و التصليح، أحب أن أخبركم أنَّ الرسالة أحبطتني، لأنني كنت أتوقع أن يأتي بإحصاءات أكثر جدية كالحديث عن حالات الطلاق و المشاكل التي حصلت بين الأزواج بسببها، على افتتان الناس بنجوم التلفزيون و وضعهم في مرتبة أعلى من البشر و المبالغة في تقليدهم، على غياب رقابة الأهل على بناتهم و أولادهم ليس فقط بما يخص المسلسلات التركية، بل كل ما يعرضه الإعلام من أمورٍ تقشعر لها الأبدان.

و الآن نأتي للدعاة، ماذا بنى الدعاة و ماذا هدمت المسلسلات؟؟
لا ينكر أحدٌ دور الدعاة الجدد في جذب شريحة كبيرة من الشباب و البنات إلى الدين في السنوات الأخيرة، و لكن علينا أن لا نخلط الأمور، الدعوة في طريقها إلى الإمام، أما ارتكاب المعاصي (على فرض إنَّ متابعة المسلسلات معصية) ليس معناه أنَّ الدعوة مهددة أو في طريقها للزوال.

المسلسلات التركية بغض النظر عن وجهة نظرنا بها، علينا أن نعترف بأنها ألقت الضوء على أمور موجودة أصلاً و ظهرت الصورة القاتمة كما أراها الآن: هناك خلل كبير جداً جداً و خطير في المجتمع.
هناك ضعف في العلاقات الإجتماعية و الروابط الأسرية، هناك جنوح لدى الشباب في تقليد كل ما يرونه (لا أتكلم هنا عن تسمية الأطفال فهذا موضوع آخر) و قصدي هنا أن تكون فتاة أحلام الشاب تشبه البطلة الفلانية، و فتى أحلام الفتاة يشبه البطل الفلاني.. و يعيشون تلك القصة و يصدقونها!

فلو كان الدعاة قد تقدموا في البناء مما نتحسر أنَّ المسلسلات التركية هدمته، لما كانت قد حصلت هذه المشاكل التي سببتها المسلسلات التركية و لا غير التركية بذلك الكم، أما الآن و قد ظهرت تلك المشاكل على السطح فنريد أن نرى دوراً أكبر للدعاة في معالجة ذلك الخلل الإجتماعي و توعية الناس بمدى أهمية العلاقات الأسرية و أهمية الوقت، و الأهم غض البصر عند رؤية أياً مما قد يداخله الشيطان..

AddThis Social Bookmark Button

Email this post


 

Design by Amanda @ Blogger Buster

This template is downloaded from here